الرئيسية / مختارات
بموسم الفيضانات.. الجفاف يهدد الحياة في بلاد الرافدين
تاريخ النشر: 18/02/2018
بموسم الفيضانات.. الجفاف يهدد الحياة في بلاد الرافدين
بموسم الفيضانات.. الجفاف يهدد الحياة في بلاد الرافدين

من جديد، عادت إلى الواجهة أزمة المياه في بغداد والمحافظات الجنوبية، نظراً لانخفاض منسوب مياه نهر دجلة لأكثر من 70%، في سابقة لم تحدث منذ عقود، وانعكست سلباً على الواقع الزراعي ومياه الشرب في كثير من المناطق.

ودقت أزمة المياه الخانقة التي عصفت بمناطق في جنوب العراق، مطلع الأسبوع الماضي، ناقوس الخطر؛ بعد أن تسببت في جفاف عدد من الأنهار الفرعية لنهر دجلة في محافظة ميسان.

مخاوف المواطنين ومسؤولين في الحكومة العراقية زادت مع اقتراب موسم الصيف من حدوث كارثة إنسانية وبيئية بسبب انخفاض منسوب مياه نهر دجلة إلى حد الجفاف، مع حديث عن إدخال سد أليسو التركي العمل في منتصف هذا العام، والذي سيدخل البلاد بحالة من الجفاف غير المسبوقة وفقاً لمراقبين.

- العراق والحرب الجديدة

حول موضوع المياه قال النائب العراقي، غازي الكعود: إن "العراق وبعد انتهاء الحرب ضد تنظيم داعش يخوض حرباً لا تقل خطراً عن تنظيم داعش، ألا وهي حرب المياه التي تقودها كل من تركيا وإيران، حيث حجبت كميات كبيرة من حصة العراق المائية، التي كانت السبب الرئيسي في شح وجفاف نهر دجلة والتي بدأت تداعياتها تنعكس على الشارع العراقي".

4
وأضاف، في حديث لمراسل "الخليج أونلاين"، أن "شح مياه نهر دجلة في موسم إذابة الثلوج الذي من المفترض أن يشهد فيه العراق فيضانات وارتفاع منسوب مياهه إلى أعلى مستوياته، لم يكن وليد الحاضر، بل هو ناتج عما خلفته الحكومات المتعاقبة ما بعد 2003، التي وقفت عاجزة عن إقامة السدود في مناطق جنوب العراق تحسباً لمثل هذه الأيام، وكذلك عدم دعمها للزراعة واستخدام طرق السقي الحديثة والمتطورة".

 

وأشار إلى أن "العراق وبسبب أزمة المياه، والإهمال الحكومي، وغياب التخطيط، بدأ يفقد أحد أهم روافد العراق المهمة بعد النفط ألا وهي الزراعة"، وبيَّن أن "الزراعة في العراق تعد ثاني رافد رئيسي للدخل وبنسبة 30% من إجمالي الموازنة".

نهر دجلة يعد واحداً من أكبر الأنهار الرئيسية من شمال العراق إلى أقصى جنوبه، حيث ينبع من تركيا شمالاً، ويمر بالعاصمة العراقية بغداد، وصولاً إلى مناطق جنوب العراق، ويعد الشريان الرئيسي الأول وعصب الحياة لجميع المحافظات العراقية.

ومن جهته قال الخبير في وزارة الموارد المائية، أيوب الصجري: إن "العراق ونتيجة لعوامل وأوضاع غير طبيعية، مقبل على أيام عجاف وصعبة للغاية، وربما تكون الأخطر في تاريخ العراق؛ وذلك بسبب انخفاض منسوب مياه نهر دجلة، وجفاف عشرات الجداول والأنهار الفرعية، وعدم تساقط الأمطار".

وأضاف الصجري في حديث لمراسل "الخليج أونلاين" أن "ما يمر به العراق من أزمات وعلى رأسها الأزمة المائية، التي أصبحت حديث الشارع ومصدر قلق كبيراً للعراقيين، كشفت مدى عجز الحكومة عن وضع خطط مستقبلية ناجحة"، لافتاً إلى أن "الزراعة في العراق خلال العامين الماضيين انخفضت وتراجعت إلى النصف؛ بسبب شح مياه نهر دجلة وقلة الأمطار، التي أسهمت أيضاً بانتشار الأمراض والأوبئة".

2
وأشار إلى أن "توقف جريان مياه نهر دجلة دفع بالفلاحين إلى الإسراع بحفر آبار ارتوازية لسد حاجتهم الماسة للمياه"، وأشار إلى أنه "حتى منسوب المياه الجوفية قد انخفض خلال السنوات السابقة".

- الآبار.. حل مؤقت ولكن!

المزارع سالم البهادلي، قال في حديث لمراسل "الخليج أونلاين": إن "الجفاف الذي ضرب العراق أثر بشكل كبير على الزراعة والثروة الحيوانية اللتين تعتبران مصدر رزق لأكثر من 70% من سكان مناطق جنوب العراق"، مضيفاً أن "أغلب الفلاحين بدؤوا بحفر الآبار الارتوازية رغم أنها لا تفي بالغرض لكونها غالباً ما تكون مياهها شديدة الملوحة".

البهادلي أشار إلى أن "إقبال الناس في الأيام الأخيرة على حفر الآبار الارتوازية تسبب بارتفاع أجور حفر الآبار، حيث ارتفع سعرها من ألف دولار إلى 15 ألف دولار للبئر الواحد"، لافتاً إلى أن "أغلب مياه الآبار لا تصلح للشرب وإنما للسقي فقط".


وبدوره كشف القيادي في ائتلاف دولة القانون، عباس البياتي، عن الإجراءات التي من المتوقع أن تقوم الحكومة العراقية بها لإنهاء أزمة المياه الحالية.

وقال البياتي في تصريح صحفي: إن "أزمة المياه التي يعيشها العراق اليوم لها أسباب استراتيجية وتاريخية، منها عدم بناء السدود، وعدم الاستفادة من الفيضانات، التي حدثت في المواسم السابقة، وكذلك عدم وجود اتفاقيات مع دول الجوار"، مشيراً إلى أن "هذه الأسباب لا تمنع من أن نبدأ الآن بالحوار مع دول الجوار بتطبيق اتفاقيات تنظم تدفق المياه لنهري دجلة والفرات".

وأضاف أن "في بعض المحافظات شحاً حتى في مياه الشرب وليس الزراعة فقط، وهذا يحتاج إلى جهود وإجراءات سريعة وبعيدة المدى"، لافتاً إلى أنه "من الممكن أن تستخدم الحكومة العراقية كل وسائل الحوار والضغط والمقايضة مع دول الجوار في سبيل أن نؤمِّن الماء للعراقيين"، على حد تعبيره.

- مصادر المياه

من المعروف أن المصدر الطبيعي للمياه في العراق هو الأنهار والبحيرات المتكونة من الأمطار والثلوج، وتعتبر أكبر حقول توفير الاحتياجات المائية للبلاد، أما المصدر الصناعي فهو البحيرات والسدود والأحواض الكبيرة، التي تعمل بنظام توفير وخزن المياه من الأنهار، ثم رفد البلاد بما يحتاجه من مياه، كما هو الحال في سوريا والأردن وفلسطين.

وينبع نهر الفرات من المرتفعات الجبلية شرقي تركيا، وتكون الينابيع نهراً واحداً بعد مسافة (1176 كم) داخل الحدود التركية، ويتجه إلى سوريا بمسافة 600 كم، ويدخل الأراضي العراقية عند مدينة القائم في محافظة الأنبار، إذ يبلغ طول النهر الكلي (2940 كم) بمعدل جريان بين (31 - 32) مليار م3، ويتجه نحو جنوب العراق ليجتمع مع نهر دجلة في شط العرب ثم المصب النهائي في الخليج العربي.


أما نهر دجلة (طوله 1900 كم) فينبع من مرتفعات جنوب شرق تركيا، وينحدر من الأراضي التركية وبمسافة (485 كم)، ليدخل الأراضي العراقية عند قرية فيشخابور، وصولاً إلى شط العرب ثم الخليج العربي.

- اتفاقيات وإهمال

تقر اتفاقيات المياه الدولية بين العراق وتركيا وإيران وسوريا، منها اتفاقية لوزان (24 تموز 1923، في مادتها رقم 109)، بضرورة تزويد دول المنبع دولاً أخرى بكميات كافية من المياه، إلا أنه نتيجة لهدر العراق معظم مياه أنهاره التي تصب في الخليج العربي، وعدم وجود خطط حقيقية من شأنها أن توازن حاجة بغداد للمياه مقابل الكميات المهدورة، فإن ذلك حال دون استفادة العراق من كميات المياه المهدورة منذ الغزو الأمريكي عام 2003، وهو ما تدفع البلاد ثمنه في الوقت الحالي.

1
وتشير الوثائق العراقية إلى أن بغداد وقعت عام 1971 اتفاقية مع أنقرة وبروتوكولاً عام 1980 حول حصص المياه، انضمت إليه دمشق عام 1983، نص على إنشاء لجنة فنية مشتركة للمياه الإقليمية بين البلدان الثلاثة، لدراسة الشؤون المتعلقة بالمياه، لا سيما حوضي دجلة والفرات.

كما توصل العراق عبر اتفاقية الجزائر عام 1975، مع إيران إلى اتفاق ينص على إجراء تخطيط شامل للحدود البرية والنهرية الملاحية (شط العرب) وتنظيم مقدار الاستفادة من الأنهار الحدودية بين البلدين، إلا أنه سرعان ما ألغيت هذه الاتفاقية من قبل العراق إثر اندلاع الحرب بين البلدين عام 1980.

رغم الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، تولد لدى شريحة واسعة من العراقيين بأن الأسباب الداخلية، منها الإهمال الحكومي، وغياب التخطيط الاستراتيجي المبني على دراسات علمية عصرية، وكذلك عدم الاهتمام بمجالات الثروة المائية والزراعية والحيوانية محلياً، يكمن وراء عدم إيجاد حلول ناجعة لتجاوز أزمة المياه التي تهدد البلاد منذ عام 2003، إذ تشير الأرقام إلى انخفاض الموارد المائية محلياً منذ عام 1980 - 2011 بنسبة 59% وصولاً إلى 30 مليار متر مكعب. 

أضف تعليق
تغيير الصورة
تعليقات الزوار