الرئيسية / مقالات وتقارير
بقلم: بدر أبو نجم ... مراسم دفن العصافير
تاريخ النشر: 19/06/2018
بقلم: بدر أبو نجم ... مراسم دفن العصافير
بقلم: بدر أبو نجم ... مراسم دفن العصافير

بقلم: بدر أبو نجم
مراسم دفن العصافير
كان والدي حينها قد دخل حديقة منزلنا عائدا من عمله وقت الظهيرة ، وأذكر حينها أن عمري كان لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة ، لا أذكر جيدا لكنني أذكر تماما عمر ذلك العصفور الذي دفنته عندما فتح أبي الباب ودخل البيت دون أن يكترث لحزني وقتها.
تحت تلك الشجرة التي أمامي لحظة كتابتي هذا المقال كنت أجلس على ركبتي منحني الرأس بجانبي كوب من الماء أحاول فيه ترطيب ذلك القبر الصغير .... إنتقيت الحصى الدائرية من الحديقة وبعض الورود البيضاء الربيعية ، وفتت بعضها لتصبح بتلات زهر ، وبعضها الآخر قطفتها كما هي ووزعت حول ذلك القبر الازهار البيضاء ونثرت البتلات فوق القبر الصغير.
لم يكن أحد يشاركني حزني على عصفوري الصغير الذي لم يلبث في قفصي سوى بضع أيام فقط ، أجلب له الماء والأكل ، ولم أتوانا برهة واحدة عن خدمته أبدا ، لكنه كان صامت دائما لا يأكل ولا يشرب ، شعرت حينها أني لا أخدمه بل أقتله بفعلتي هذه وهي حبسه بقفص صغير . بنفس الوقت كنت أتغاظا عن ذلك الاعتقاد لأنني كنت أرى الكثير من الاطفال يملكون عصافير ملونه داخل الاقفاص وكانت تأكل وتشرب وتغرد صباح مساء.
تلك حجتي حينما لاحظت عصفوري الصغير مضرب عن كل شيء وقلت في نفسي سيصبح كما أريد في يوم من الأيام ، لكن ما أعرفه جيدا أنني كنت سعيدا جدا بهذا الصديق الجديد.
لم تكن الحفرة التي حفرتها في الظهيرة عميقة جدا بل تركت ثغرة صغيرة في الحفرة عله يكون على قيد الحياة، ويستطيع الخروج بسهولة. تركت جزء من جناحه الصغير خارج الحفرة فقد يحركها أثناء مراقبتي ضريحه ، كانت تلك مشاعر طفولة أمل بلا أخذ بالأسباب.
يغلبني النعاس عند غروب الشمس وأدخل غرفتي لأنام ، ليباغتني ذلك القط اللعين وينقض على قبر العصفور ويأخذه بأسنانه دون شفقة أو رحمة حتى لطفولتي ... هكذا تبين لي المشهد في الصباح عندما استيقظت وذهبت مسرعا اتفحص قبره الصغير ورأيت تناثر الورود وبعض ريشه الصغير حول الشجرة.... كان الحزن عميق جدا . لقد اختفى العصفور. لا قبر ، لا ورود ، ولا ثغرة صغيرة أشاهد من خلالها جناحه.
حكاية ذات شجون بالتأكيد ، وهذا ما حصل فعلا بالمعنى الحرفي وليس المجاز ، وتلك هي مراسم الطفولة في دفن العصافير لأي طفل في وقتي ذاك ، مع السؤال البريء الذي كنا دائما نطرحه في أذهاننا وهو: لماذا تموت العصافير؟
بالتقادم هنا ومع مرور الزمن كبرت وبلغت من العمر الذي استطعت من خلاله ان أطرح الكثير من الأسئلة عن ما يحدث من قتل لأطفال غزة بالتحديد على أشياك الحدود كعصافير الحدود البرية التي تقف على إبر الأشياك الفولاذية تبحث عن وطن. ترى هل كان حزني على ذلك العصفور في الصغر أكبر وأجم من حزني على العصافير البشرية التي تموت يوميا على الحدود ، ربما ذلك الطفل المشيع على الأكتاف قد دفن قبل موته بلحظات عصفورا ما في حديقة بيته ، ولم يعتقد برهة من الزمن أنه سيلحق عصفوره بنفس مراسم التشييع التي فعلها معه. هنا جرعة أخرى وفيضا إضافيا من الإحساس بالقهر.
عودة لما بدأت. كنت قد ذكرت أن أبي لم يكترث لحزني حينما دخل البيت وشاهد ذلك المشهد سريعا أثناء مروره بقربي، علني فهمت أن أبي لم يستطع أن يواسي طفله على موت عصفور لانه كان يعلم ما لم أكن اعلمه حينها عن أبناء جيله وحقبة ذلك التاريخ الذي مزق فيه الوطن ومات فيه الكثير في بلاده وشرد وسجن الكبير والصغير ، فكيف أريد منه أن يكترث لحزني؟؟
وكما في كل عيد أكرر سؤالا آخر:
لماذا بدلا من أن نشتري لأطفالنا ثيابا جديدة للعيد نشتري كفن لشهيد ولإبن شهيد؟ 

أضف تعليق
تغيير الصورة
تعليقات الزوار