كشفت صحيفة "الأخبار" اللبنانية، عن تقارير قالت إنها اطلعت عليها، تظهر حجم القلق الأردني ممّا قد يصيب المملكة من تبعات "صفقة القرن"، التي ينوي الرئيس الأميركي الكشف عن بنودها بعد شهر رمضان القادم.
حيث نشرت الصحيفة اللبنانية مجموعة وثائق اطلعت عليها، تمتد على مرحلة ما قبل وبعد القرار الأميركي إعلان القدس عاصمة لدولة الاحتلال، والذي كان بمثابة صفارة إنذار استنفرت رام الله وعمّان.
ووفق مداخلة وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي، في اجتماع الوفد الوزاري العربي في العاصمة الأردنية العام الماضي "واضحة" لدى رام الله، وتتضمن: "القدس خارج، واللاجئون خارج، والمستوطنات واقع، ومناطق C يتم ضمّها". ليجد الأردن نفسه مرمياً في عين عاصفة "الصفقة". في موازاة "خذلان وتآمر عربيين من الصعب التعبير عنهما علناً في الدبلوماسية الأردنية".
وقالت الصحيفة، "إن التوجس الأردني مفهوم، خاصة بعد ما كشفه الإعلام الأميركي والعبري عن الضريبة الثقيلة التي ستدفعها المملكة الأردنية لجهة احتمال توطين الفلسطينيين الموجودين فوق أراضيها، وسحب الوصاية الهاشمية عن المسجد الأقصى والمقدسات في القدس منها ومنحها للمملكة السعودية، وإمكانية اقتطاع أراضٍ من حدودها الشرقية لمنحها للفلسطينيين مقابل تعويضها بأجزاء من شمال السعودية".
البحث عن بديل للراعي الأمريكي
وتُبيّن التقارير الأردنية التي حصلت "الأخبار" على نسخة منها، أن الرئيس الفلسطيني "طلب من القيادات الفلسطينية عدم مواجهة الولايات المتحدة الأميركية تحت أي عذر، وإنما البحث عن راعٍ جديد لعملية السلام المتعثرة"، وذلك بعد اعتراف ترامب بالقدس عاصمة للعدو الإسرائيلي في ديسمبر 2017.
وبحسب "الأخبار" فإن رئيس مكتب التمثيل الأردني في رام الله، خالد الشوابكة، قال في تقرير أرسله للخارجية الأردنية بعد لقائه صهر عضو اللجنة التنفيذية لـ"منظمة التحرير" أحمد مجدلاني، بشارة العزة، في 20/12/2017، إن السلطة أرسلت مجدلاني إلى الصين ونبيل شعث إلى روسيا لإقناع بكين بتقديم طلب للانضمام إلى الرباعية الدولية، و"أن يكون الهدف هو عدم المواجهة مع الجانب الأميركي، بل تقوية الدائرة وتقديم الدعم للإدارة الأميركية لتقديم رزمة لعملية سلام مرضية وعادلة للأطراف كافة".
وحول العلاقات السعودية - الفلسطينية، قال الشوابكة في تقرير آخر بتاريخ 26/12/2017 اطلعت عليه الصحيفة اللبنانية، إنه "خلال حفل العشاء مساء أمس الإثنين الموافق لـ 25/ 12/ 2017 تحدثت مع المستشار الدبلوماسي للرئيس عباس، مجدي الخالدي، وعند استفساري منه حول زيارة عباس للسعودية، علمت منه ما يلي: اللقاء الأخير مع الأمير محمد بن سلمان كان لطيفاً وأفضل من اللقاء الأول الذي سبق مؤتمر إسطنبول".
ابن سلمان ضامن للصفقة: استهداف الوصاية الأردنية-الفلسطينية على القدس
وبحسب الصحيفة فقد حاول ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، لاحقاً، تعريف نفسه بأنه "ناقلٌ" فقط لبنود "الصفقة" من الجانب الأميركي إلى الجانب الفلسطيني، ثم "لم يعد خافياً ما تسرب جزء منه سابقاً حول اجتماع ابن سلمان مع الرئيس محمود عباس، وتبليغه أفكار إدارة ترامب بأن ابن سلمان ظهر كطرف "ضامن للصفقة" ومتورّط فيها.
وبحسب التقرير، فإن "ولي العهد السعودي أعلم عباس بأن الأميركيين مستعدون لمنح الفلسطينيين الأرض التي يعيشون عليها وستكون لهم، والمطلوب من السعودية ودول عربية أخرى توفير الدعم المالي لدعم الفلسطينيين وإنشاء مشاريع في أراضي الضفة الغربية ستؤدي إلى ازدهار اقتصادي وتوسع في مناطق (C . B)"، وأن السعودية ستدعم السلطة بمبالغ تتجاوز 4 مليارات دولار مبدئياً".
ونقل الشوابكة في تقريره أن الرئيس "عباس شرح لمحمد بن سلمان الوضع القائم، وأنه لن يستطيع تقديم أي تنازلات في ما يتعلق بالمستوطنات وحل الدولتين والقدس، وأن لديهم تأكيدات بأن الأميركيين لن يقدموا أي مقترحات جدية (مكتوبة) لعرضها، بل سيتبعون التكتيك نفسه الذي طبق سابقاً (وعد بلفور)، وأن أي ضغوطات من أي جهة ستدفع السلطة إلى حل مؤسساتها وتحميل إسرائیل مسؤولية إدارة الأوضاع في الأراضي المحتلة".
وبحسب التقرير الأردني، فإن الجانب الأميركي "أقنع محمد بن سلمان بأن هبّة القدس (بعد إعلان ترامب اعترافه بالقدس عاصمة لدولة الإحتلال) لن تستمر أكثر من شهر، وسيعود الوضع إلى ما كان عليه سابقاً، وسيتم تجاوزه بسهولة، خصوصاً إذا تناست الأردن ومصر ما جرى، حيث إن الدول العربية غير مهتمة كثيراً بموضوع القدس، وكذلك الدول الإسلامية الأخرى".
ونقل الشوابكة عن الخالدي قوله إن "السلطة لا تعوّل على لقاء وزراء الخارجية المزمع عقده في عمان قريباً، لأن وجود الإمارات العربية ضمن المجموعة يؤكد بلا شك أن الاجتماع لن يخرج بأي نتائج إيجابية (مبادرة ولدت ميتة)"، وإن "تأجيل الاجتماع الذي كان مزمعاً عقده يوم 23/ 12 / 2017 كان بإيعاز من الإمارات لمصر".
وكرر الشوابكة تحذيرات مستشار الرئيس عباس من أن "الذي سيدفع الثمن في النهاية هو الأردن وفلسطين"، لافتاً إلى أن وزيرة السياحة السابقة، لينا عناب، نقلت أيضاً عن الرئيس عباس تأكيده مرتين، خلال لقائه بها، أن "القدس والمقدسات مسؤولية أردنية هاشمية وأن الذي سيدفع الثمن الأردن وفلسطين".
وفي ختام تقريره، وضع الممثل الأردني ملاحظاته، قائلاً إن "الخالدي يسعى إلى إيصال رسائل بأن القيادة الفلسطينية لن تتنازل عن أي حق من حقوق الفلسطينيين مهما كان الثمن، وإن لديهم شكوكاً في مواقف بعض الدول العربية غير الواضحة، حيث بيّن أن مصر ليس لديها اهتمام كبير، نظراً إلى بعدها الجغرافي عن القدس وإلى مصالحها (الثنائية) مع الولايات المتحدة الأميركية وبعض الدول العربية. وكرر عدة مرات مسؤولية الأردن عن القدس والمقدسات والتبعات المستقبلية على الوضع بشكل عام في الأردن وفلسطين".
10 مليارات دولار سعودية
أما في تقريره بتاريخ 4/1/2018، فقد كتب الشوابكة للخارجية الأردنية قائلاً: "علمنا من مدير مكتب أحمد مجدلاني ما يلي حول زيارة الرئيس محمود عباس الأخيرة إلى السعودية والتي تكتم على فحواها. تم العرض على الرئيس الفلسطيني بعض الأشياء التي رفض الحديث عنها ولكنها أزعجته. تم عرض 10 مليارات دولار لتحسين الوضع الداخلي في أراضي الضفة الغربية، وترتيب وضع اللاجئين وتوطينهم، وستقوم السعودية بتحسين أوضاعهم المستقبلية، سفارة لدولة فلسطين في أبوديس، ودعم غير محدود مالي وسياسي بعد اتخاذ القرار".
وبحسب معلومات حصلت عليها "الأخبار"، فإن ابن سلمان أبلغ الرئيس عباس في هذا اللقاء تفاصيل "صفقة القرن"، طالباً منه قبولها والسير بها، ووفقاً للمعلومات، فإن "ابن سلمان سأل عباس ما هي ميزانية حاشيتك سنوياً، فردّ عباس لست أميراً ليكون لدي حاشية، فأوضح ابن سلمان: كم تحتاج السلطة ووزراؤها وموظفوها من مال؟"، فأجاب عباس: "مليار دولار"، فردّ ابن سلمان: "سأعطيك 10 مليارات دولار لعشر سنوات إذا وافقت على الصفقة". إلا أن "أبو مازن" اعترض على الطرح، معتبراً أن ذلك سيؤدي إلى نهاية حياته السياسية.
مقترح لـ"إنهاء السلطة" في محضر اجتماع الوفد الوزاري العربي في عمان
نشرت "الأخبار" محضر اجتماع الوفد الوزاري العربي في عمان بتاريخ 06/01/2018 بحث تداعيات القرار الأميركي الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال. والذي بحسب الصحيفة "ظهر كل من وزيري الرياض وأبوظبي مهتمين بتمييع أي قرار يصطدم بالولايات المتحدة".
وكشف عن ذلك التردد قول أبو الغيط "أن لا دولة عربية انضمت للجنتين شكلتهما الجامعة العربية للتصدي لنفوذ تل أبيب".
بينما عادل الجبير (وزير الخارجية السعودي) رمى بمقترح "الصدمة" لإنهاء سلطة رام الله. موقفٌ استدعى رد فعل من نظيره الفلسطيني، سأل فيه الجبير: "أين مصداقيتنا وأخلاقنا؟".
وفيما يلي موجز لمداخلات الاجتماع وفق ما وردت في المحضر الأردني المسرّب الذي نشرته صحيفة الأخبار:
-وزير الخارجية الأردني تساءل عن القرارات الأمريكية والأسرائيلية لتصفية قضية القدس وتصفية لأونروا
-وزير الخارجية الأردني أشار بالإيجاب لموقف الاتحاد الأوروبي في التصويت على القرار المتعلق بالقدس في مجلس الأمن. وعتب على موقفالدول الأفريقية كونها عانت من الاستعمار سابقاً.
-وزير الخارجية الفلسطيني استعرض الخطوات الإسرائيلية وطواطؤ المسؤولين الأمريكيين مع الخطط الإسرائيلية التهويدية في القدس وضم المستوطنات وبنائها
-أما وزير الخارجية السعودية عادل الجبير فأكد أنه يتفق مع المداخلات السابقة، وقال "نعم نتحرك في الأمم المتحدة ونحتج ونستنكر ولكن ما البدائل؟ هل حل السلطة الوطنية الفلسطينية هو خيار مطروح؟ وترك إسرائيل مسؤولة عن التعليم والصحة والخدمات... إلخ. هل قلنا "استلمي المسؤولية يا إسرائيل". قطع العلاقات مع أميركا غير وارد، الاحتجاج ليس له أثر، قد نعزل أميركا ولكن في النهاية لن يعدل ترامب عن قراره. يمكن أن نعمل على موضوع غواتيمالا. يمكن أن نعمل على موضوع أفريقيا ولكن نفوذ إسرائيل و أمیرکا هناك أكبر. ماذا يوجد لدينا غير الاحتجاج؟ نحن بحاجة "To Think out of the box" (التفكير من خارج الصندوق) والتفكير في شيء "دراماتيكي" مثل حل السلطة الفلسطينية وعمل صدمة بحيث يأتي الناس ويقولوا وين رايح؟ نستطيع تغطية عجز الأونروا ولكن التحرك بسرعة في مصلحة أميركا: هي العرب دفعوا ووفرت على نفسي.
فجاءت المداخلة الثانية لوزير الخارجية الفلسطيني: اتفق مع الأمين العام إذا تبنينا موقفاً يجب التمسك به، فكيف إذا ما تبنينا قرارات؟ أتفهم موقف عادل الجبیر بأننا لا نستطيع قطع العلاقات مع أميركا ولكن أين مصداقيتنا وأخلاقنا؟ فأما نبلع القرارات أو نلتزم موقفنا، هل القرارات فقط تصدر ولكن نعلم أننا غير قادرين على تطبيقها. غواتيمالا لا تزن شيئاً ولكنها أصبحت عنواناً للتحدي، وهي ما زالت تتحدى وتريد إقناع مزيد من الدول بنقل سفارتها إلى القدس بغض النظر عن حجمها. هناك تحد كبير، يجب أن نعرف إذا كنا على مستوى التحدي، إذا كنا لا نستطيع التعامل مع توغو وغواتيمالا، فكيف أرفع سقفي إلى الولايات المتحدة؟ أمیرکا ما زالت تصعد ويجب أن تسمع صوتنا واحتجاجاتنا، إذا لم يكن هناك مظاهرات واحتجاجات ستقول أمريكا لماذا أهتم؟ لا ندعو للدفع بالسرعة للأونروا، ولكن هذا موضوع يتعلق باللاجئين الذي هو من مواضيع الحل النهائي، وبالتالي يجب أن يكون هنالك جدية. هناك تصعيد من الفصائل والشعب الفلسطيني إزاء أوسلو والسلطة الفلسطينية، ولكن في الوقت الذي نتخذ مثل هذه الخطوات (إشارة إلى تساؤل الجبير عن خيار حل السلطة الوطنية الفلسطينية) بدون دعم عربي ماذا سيحدث؟ من الضروري وجود دعم وإسناد ودفء عربي للقيادة الفلسطينية.