الرئيسية / مقالات وتقارير
أعزائي المعلمين..
تاريخ النشر: 21/08/2017
أعزائي المعلمين..
أعزائي المعلمين..

عبد الغني سلامة _غداً، ستفتح المدارس أبوابها، سيعود آلاف الطلبة إلى مقاعدهم.. سيبدأ عام دراسي جديد بكل ما يحمله من آمال وفرص ومعاناة وتعب.. بدايةً، نهنئكم بالعام الجديد، وكل عام وأنتم بخير..
كونوا على ثقة، بأن أغلبية الطلبة سيصحون من نومهم متثاقلين، سيأتون إلى المدرسة مكرَهين؛ فهم لا يحبونها كما تظنون، ولا يعتبرونها بيتهم الثاني كما يقولون في كلمات الصباح على الإذاعة المدرسية.. وحتى تدفعوهم لحبها، ويأتوا إليها فرحين، مفعمين بالتفاؤل والنشاط أمامكم تحدٍ كبير، ومسؤولية ليست هينة.
أود تذكيركم بأنكم ستجدون غالباً في كل صف طالباً يرتدي ملابس رثة؛ نفس البلوزة طول السنة، بوت مهترئ، جاكيت خفيف في عز البرد.. انتبهوا له، إنه بحاجة لملابس أكثر من حاجته للكتب.
ستجدون طالباً يرمي برأسه على الطاولة من النعس، ستظنون أنه سهر طوال الليل على "فيسبوك".. لا تستعجلوا بالحكم عليه، ربما يفعل ذلك من الوهن، أو من شدة الجوع.. أو لأنه مضطر للعمل بعد الدوام.
ستجدون طالباً ينزوي في أثناء الفرصة، لأنه لا يحمل مصروفاً في جيبه، أو لأنه يعاني من صعوبات التكيف والاندماج مع الآخرين، أو لأنه يخاف من الأولاد المشاغبين، أو لأنه يعجز عن تكوين صداقات، لأسباب مختلفة، نفسية على الأكثر.. هذا بحاجة إلى كلمة تشجيع، وإلى معلم صديق.. قبل احتياجه حفظ جدول الضرب.
ستجدون طالباً مبدعاً، لكنه خجول.. يتردد كثيراً قبل الإجابة، يخفي موهبته، وإبداعه.. خشية من الانتقاد، أو لأنه لا يمتلك الثقة بالنفس.. أو لأنه لم يكتشف بعد مواهبه وقدراته.. ابحثوا عن مواهب الطلبة وقدراتهم، قبل أن تجبروهم على حفظ قصائد المتنبي، ومعرفة أسماء العواصم، والتغني بتاريخنا "المجيد".
ستجدون طالباً سارحاً في عوالم خارجية.. فاقداً لتركيزه.. هذا ليس بغبي.. هو مشغول التفكير، ربما لأن والديه يمضيان جل وقتهما في شجارات وصراعات.. أو أن والده عصبي المزاج، دائم الصراخ والتوبيخ.. أو أن أهله مشغولون عنه، أو لأن له ثمانية أخوة في المدارس والجامعات، ولكل واحد منهم مشاكله واحتياجاته.. وبالتالي فقد فردانيته وخصوصيته.
ستجدون طالباً بنشاط مفرط وحركة زائدة، وهو ليس بالضرورة مشاغباً، ربما لديه طاقة زائدة.. وهو ليس عدوانياً بالفطرة، ربما صار كذلك لأن عائلته تفتقر للحنان، ولا تعرف التفاهم والحوار.. هذا بالذات، بحاجة إلى عطف واحتواء وتفاهم.. أكثر من حاجته فهم قوانين نيوتن، ونظرية فيثاغورث.
ستجدون طالباً أتى متفائلاً، بهمة عالية، وتوقعات كبيرة، في ذهنه صورة جميلة للمدرسة.. لا تخيبوا آماله.. لا تحبطوا توقعاته.. هذا وغيره ليسوا سبباً في تردي أوضاعكم، وهم غير مسؤولين عن رواتبكم الهزيلة، ومتاعبكم المالية.. هؤلاء أمانة بين أيديكم.
ستجدون طالباً يحلم بإجراء تجربة عملية في المختبر، وآخر لديه فكرة ألمعية عن ألعاب الكمبيوتر، وآخر يحب المكتبة، وآخر ماهراً بكرة السلة، وآخر يجيد عزف البيانو.. هؤلاء ليسوا قالباً واحداً، راعوا تمايزهم، والفروقات بين قدراتهم الفردية.. تأكدوا أن بوسعهم أن ينتجوا ما يفوق توقعاتكم.
في طابور الصباح، أهم للطلبة رؤية المعلم مبتسماً من ترديد النشيد الوطني، وأهم من كل المعلومات التي ستلقّونها في أدمغتهم.. لذا، لا تحملوا عصاة ولا "بربيشاً".. أنتم تتعاملون مع طلبة وليس مع قطيع غنم.. ادخلوا الصف باسمين.. اضحكوا قليلاً في وجوههم، الضحك لا ينزع الهيبة، تقربوا منهم، صادقوهم، العبوا معهم، وامزحوا، ألقوا عليهم النكات.. ستفاجؤون من النتائج.
استمعوا لقصص الطلبة، مهما بدت لكم ساذجة وبسيطة، تعرفوا على أحلامهم، ومخاوفهم، ومشاكلهم.. اتركوا لهم فسحة كافية من الكلام.. دعوهم يعبّرون عن دواخلهم بحرية.. دون خوف.
بدلاً من الواجبات البيتية، احكوا لهم قصة، سيتذكرونها في الليل، اخرجوا معهم إلى الحقل المجاور، ازرعوا معاً شجرة، أو حوض نعناع، أو تنافسوا معهم في مباراة كرة قدم.. بعد كل ذلك، ستجدون وقتاً كافياً لدروس القواعد والجغرافيا.
شجعوهم على تكوين اتجاهات فكرية لشخصياتهم، دربوهم على تذوق الجمال وتشربه، وعلى تقبُّل الآخرين، واحترام الرأي الآخر، وعلى الحوار العقلاني، والتفكير النقدي والمنطقي، واعتماد المبادئ العلمية في تفسير ظواهر الكون، حرروهم من سلبيتهم، ادفعوهم لطرح الأسئلة دون حرج.
لا تحرموهم من حصص الرياضة والفن، هذا أكثر ما يضرهم.. استبدلوا حصص الرياضيات والفيزياء الجافة ببرامج عملية شيقة، على غرار برنامج "ألعاب العقل" الذي تبثه قناة "ناشيونال جيوغرافيك".. أو ادمجوا اللعب بالتعليم، قدموا حصة العلوم في أحضان الطبيعة، وحصة التاريخ في المتحف، نظموا رحلات مدرسية إلى المسارح، والمصانع.. فرغوا الكتب من الحشو والإنشاء، تجاهلوا كل ما هو غير ضروري، وما تجاوزه الزمن.. تأكدوا حينها أنكم ستحصلون على نوابغ وعلماء وفنانين.
تذكروا أنه بعد انتهاء السنة الدراسية، أو بعد التخرج، سينسى الطلبة كل ما حفظوه من التفاضل والتكامل والمعادلات الكيميائية وقوانين الفيزياء وتواريخ الحروب والدول، وكل القصائد، وأسماء الأدباء، وأهم أعمالهم.. سينسون كل ذلك، سيتذكرون الكلمة الطيبة أو المسيئة، سيتذكرون المواقف الإنسانية وغير الإنسانية التي اختبروها، سيتذكرون اللحظات المثيرة، والمعلمين المميزين، من أحبوهم، ومن تعاملوا معهم بقسوة، من تفهّموا مشاكلهم واحتياجاتهم، ومن تسرعوا بإصدار الأحكام بحقهم.. سيتذكرون ما فهموه وما أحبوه فقط.
علموا طلبتكم أسس المواطَنة والانتماء والشراكة والمسؤوليات العامة، لأنها أهم وأبقى من النصائح والجمل الأخلاقية المكررة.
اغرسوا في ذاكرة طلبتكم ذكريات جميلة، قبل أن تحشوا رؤوسهم بالمعلومات..
إن لم تفعلوا، وخلاف ذلك، ستظلون تنتجون آلاف النسخ المكررة، لطلبة وخريجين سيعيدون إنتاج التخلف كل عام، بطبعة محدثة. 

أضف تعليق
تغيير الصورة
تعليقات الزوار