ان الأمر كان يحتاج الى وزير واحد وحجر واحد تم القاؤه في البئر، من اجل شغل عشرات المهنيين في محاولة اخراجه طوال اسبوع. ومن دون توفير حل للأزمة المصطنعة التي قام الجانب الفلسطيني بتضخيمها حول قرار اسرائيل انشاء بوابات الكترونية على مداخل الحرم القدسي، تقف اسرائيل أمام اخطر وضع واجهته خلال السنوات الأخيرة. عشرات الاف المصلين سيصلون الى البلدة القديمة، والشرطة تستعد لصدامات عنيفة على الحواجز.
تقريبا، يتحول كل خلاف حول ما يحدث في الحرم الى مسألة رمزية، ان لم تكن مقدسة، الى حد بات الناس على استعداد حتى للموت من اجله. هكذا حدث هذا الأسبوع، بسبب البوابات الإلكترونية التي احضرتها الشرطة الى الحرم في أعقاب العملية التي قتل خلالها الشرطيين الاسرائيليين. شرطة لواء القدس هي التي اوصت بإقامة هذه البوابات، بعد ان اتضح بأن المخربين الثلاثة من ام الفحم نجحوا بتهريب اسلحة الى المسجد الأقصى واستخدامها في العملية. لقد تبنى وزير الأمن الداخلي هذه التوصية وصودق عليها من قبل رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. ويوم الخميس قال اردان لإذاعة الجيش ان القرار لم يواجه في البداية أي اعتراض من قبل الجهاز الأمني.
ومنذ ذلك الوقت، وكلما تصاعدت الأزمة، هكذا اقتنعت الأذرع الأمنية الاسرائيلية بأن المواجهة مع الفلسطينيين في مسألة البوابات زائدة وخطرها كبير. وقد قاد الصراع من اجل ازالة البوابات مسؤولون كبار في الوقف الاسلامي، بينما ساعدت حماس والجناح الشمالي في الحركة الإسلامية على تأجيج النار. كما ان اعمال الاستفزاز التي قام بها يهود، نشطاء اليمين المتطرف، حين غاب المسلمون من الحرم طوال أيام الأسبوع، اضافت الى التوتر.
في الجيش والشاباك ودائرة منسق اعمال الحكومة في المناطق، لا يستأنفون على حق اسرائيل بوضع البوابات، بهدف تقليص خطر العمليات، ولكن حسب رأي غالبية خبراء الحراسة، فانه يمكن تجاوز هذه البوابات، ايضا، بشكل سهل نسبيا. اضف الى ذلك ان الشرطة ستواجه صعوبة في اجراء الفحص الأمني لعشرات آلاف المصلين الذين يصلون الى الحرم في أيام الجمعة من دون ان يؤدي ذلك الى اكتظاظ غير محتمل، ناهيك عن التوتر المرتبط بفحص النساء. من هنا فان التوصية التي سمعها نتنياهو، من كل قادة الأذرع الأمنية، باستثناء القائد العام للشرطة، خلال المشاورات التي اجراها هاتفيا يوم الاربعاء، خلال تواجده في هنغاريا، دعت الى العثور على طريقة للتغلب على الخلاف حتى نهاية الاسبوع. فالقيمة التي يمكن ان تحققها البوابات لا تساوي الدم المسفوك.
احد ضباط الجيش قال بحذر: "نحن لا نعتقد ان هذا سيكون سببا للحرب"، بينما كان رفاقه في الاجهزة الأمنية الاخرى اكثر فظاظة. "هذا جنون، بكل بساطة هذا جنون" قال احدهم. وادعى البعض الآخر بأن اجواء البرايمرز في حزب الليكود يمكن ان تعيد اشعال الصراع الاسرائيلي – الفلسطيني. لقد سمع نتنياهو تحذيرات شديدة.
سواء كان اردان قد عمل من خلال الاقتناع الأيديولوجي العميق، او انه يريد فقط مراكمة التأييد في صفوف النواة القاسية من اعضاء الليكود، فان من حقة اظهار خط متصلب. لقد سبق وعرض اردان موقفا متشددا في مسألة رفض اعادة جثث المخربين (رغم موقف المهنيين بأن هذا لن يفيد)، واوقف مؤخرا، زيارة عائلات اسرى غزة المعتقلين في اسرائيل، رغم معارضة الشاباك وسلطة السجون. وفي قضية الحرم، ناور رئيس الحكومة ودفعه الى الزاوية التي واجه نتنياهو صعوبة في الخروج منها، في وقت يحاصر فيه من جانب نفتالي بينت. الاصرار على البوابات تحول فجأة الى اختبار وطني سامي.
لقد افترض قادة الأجهزة الأمنية بأن نتنياهو يعرف ما الذي يجب عمله. والسؤال كان حول مدى استعداده لدفع الثمن السياسي الداخلي المنوط بذلك. ويجب ان نذكر بأن نتنياهو واجه صدمة مشابهة في موضوع الحرم في بداية سلطته، مع الاضطرابات القاسية التي اندلعت في اعقاب فتح نفق المبكى في ايلول 1996. لقد احترق رئيس الحكومة مرتين في حينه. وحسب ادعائه فقد ضلله قادة الاجهزة الأمنية، بينما اجبرته الاضطرابات نفسها (التي قتل خلالها 17 اسرائيليا وحوالي 100 فلسطيني) على تقديم التنازل لياسر عرفات وتوقيع اتفاق الخليل. لقد ازعجت هذه القضية نتنياهو بما يكفي لكي يرجع الى الحديث عنها مرارا خلال اللقاءات التي عقدها مع الصحفيين في الصيف الماضي.
كما بحثت القيادة الفلسطينية خلال الاسبوع المنصرم عن مخرج من الأزمة. الرئيس محمود عباس كان الزعيم العربي الوحيد الذي شجب العملية، خلال محادثة مع نتنياهو نشرت اسرائيل نصها. الجانبان يحتاجان الى وساطة خارجية، لكنه يبدو ان ادارة ترامب ترد ببطء.
عندما اتضح طابع العملية قبل اسبوع، ثار القلق في القيادة العامة. وبدت التفاصيل كما لو انها مستمدة من احد السيناريوهات المتطرفة التي يتدرب عليها الجيش بين الحين والآخر. ثلاثة مواطنين عرب ينفذون عملية في الحرم ويقتلون شرطيين درزيين؟ هذا الأمر بدا كوصفة مضمونة لاندلاع اعمال عنف واسعة ستجر الوسط العربي داخل الخط الأخضر. لكن الميدان لم يندلع على الفور، ايضا بفضل الرد الموزون نسبيا من قبل الحكومة. الان عادت محفزات الضرر مجددا. ويوم امس قررت القيادة العامة الابقاء على خمس كتائب عسكرية قيد حالة التأهب، خشية حدوث تصعيد في الضفة وعلى حدود غزة.