عادل الأسطة_ كتب سميح القاسم قصيدته "إليك هناك حيث تموت " في العام 1968، وعبّر فيها عن تمسكه بأرضه. وكل من قرأ القصيدة يعرف أن القصيدة جاءت رداً على رسالة كتبها فلسطيني يقيم في بيروت، يدعو الشاعر سميح القاسم إلى أن يلحق به ليحيا حياته متنعماً؛ فبيروت تختلف الحياة فيها عن الحياة في حيفا تحت الحكم الإسرائيلي.
يرفض سميح العرض المغري، ويرد على رسالة صديقه رداً قاسياً، ويؤْثر الشاعر البقاء في أرضه ووطنه.
ينهي سميح قصيدته بالأسطر الآتية:
"إليك هناك حيث تموت كالشمس الخريفية / بأكفان حريرية/ إليك هناك...يا جرحي ويا عاري/ ويا ساكب ماء الوجه في ناري/ إليك إليك من قلبي المقاوم جائعاً عاري/ تحياتي وأشواقي/ ولعنة بيتك الباقي". (ا.ك.ص 110).
وفكرة البقاء والصمود التي تسيطر على روح القصيدة كانت فكرة محورية في الأدب الفلسطيني، ما يجعل المرء يتذكر رأياً لمحمود درويش فحواه أن الشعراء الفلسطينيين في فلسطين المحتلة عام 1948- تحديداً شعراء المقاومة - كتبوا قصيدة واحدة.
هل بالغ درويش وذهب بعيداً في زعمه؟
وأنا أفكر في الكتابة عن سميح في ذكراه قلت: "حفظنا مقولة إميل حبيبي: "باق في حيفا"، "ونسينا قصيدة سميح "إليك هناك حيث تموت".
كان سميح أسبق من إميل في تعزيز فكرة الصمود والبقاء، فلماذا نتذكر دائماً مقولة إميل وننسى قصيدة سميح؟
من الأفكار المحورية في الأدب الفلسطيني فكرة البقاء والصمود. السؤال هو: من هو أول كاتب فلسطيني حث على الفكرة؟
في رواية غسان "رجال في الشمس" 1963، يتذكر أبو قيس وهو في المنفى الأستاذ سليم الذي استشهد في بلده ولم يهاجر، فالموت هناك أفضل مليون مرة من لعنة المنفى.
كان كنفاني يقيم في المنفى حين كتب روايته وشاهد، بل وعاش، معاناة اللجوء. ولكن الفكرة هذه تبرز في 60 ق20 في أدبيات الأرض المحتلة أكثر. فمن من قراء درويش ينسى ديوانيه "عاشق من فلسطين" و"آخر الليل"، وقصيدته "يوميات جرح فلسطيني" 1966/ 1968؟
في "عاشق من فلسطين" قصيدة عنوانها "في انتظار العائدين"، يأتي فيها الشاعر على صخرة صلى عليها والده، ويعلن تمسكه بها ورفضه بيعها باللآلئ، و"أنا لن أسافر/ لن أسافر/ لن أسافر"، وفي قصيدة "أبي "من الديوان نفسه يكتب: "وأبي قال مرة: الذي ما له وطن/ ما له في الثرى ضريح/ ونهاني عن السفر"، وأما في "يوميات جرح فلسطيني "فيخاطب الشاعر جرحه المكابر: "وطني ليس حقيبة/ وأنا لست مسافر"، ولكن الشاعر سافر وغاب عن الوطن 25 عاماً.
في أثناء مغادرة درويش، ساءت العلاقة بينه وبين رفاقه "ولكن الرفاق هناك في حلب (حيفا؟) أضاعوني وضاعوا" 1980. وفي هذه الأثناء ستحضر قصيدة :"إليك هناك حيث تموت "لتقرأ كما لو أنها كتبت إلى محمود درويش وفيه. لقد نسي القراء الفترة الزمنية التي كتبت القصيدة فيها، أي 1968،حيث كان درويش في حيفا لا في بيروت. (حدث أن كتب درويش مقالة نثرية عن غزة "صمت من أجل غزة "، واستحضرها القراء في حروب إسرائيل على غزة بعد وفاة الشاعر كما لو أنه كتبها في 2009/ 2012/ 2014).
رسائل الشاعرين التي كتبت في 80 ق20،لا الرسائل التي كتبت في 70 ق 20، تأتي على إشكالية الشاعرين مع النقاد وبعض القراء، حيث ذهب هؤلاء إلى أن الخطاب في القصيدة موجّه لدرويش. في مكانين من الرسائل (ص 40 وص 93) يوضح الشاعران الإشكالية ويهاجمان من أساء القراءة.
يكتب سميح في رسالة "الوطن ينتظر عودتك": "إنهم أقسموا بلا رفة هدب أن قصيدة "إليك هناك حيث تموت" موجهة إليك، ويكتب درويش في رسالة "حاضر سابق": "أنا أعرف أن قصيدتك الجميلة "إليك هناك حيث تموت" كانت تستخدم سلاحاً لقطع رأسي ، حين روج البعض شائعة تقول: إن القصيدة تخاطبني، حتى أوضحت في إحدى رسائلك لهم، لا لي، أنها كتبت في أثناء إقامتنا المشتركة بحيفا".
وستظهر فكرة البقاء والصمود على أرض الوطن في نصوص أدبية فلسطينية لاحقة كثيرة وستتعزز من خلال عبارة إميل: "باق في حيفا".
في أدبيات أدباء المناطق المحتلة في 1967، أي الضفة الغربية وقطاع غزة/ الجولان وسيناء.
لعل قراء مجموعة محمود شقير القصصية "الولد الفلسطيني" 1977، لن ينسوا قصة "الخروج". يُصر الطحان الشيوعي على البقاء في القرية رافضاً الهجرة بسبب الاحتلال الإسرائيلي. تماماً كما أن قراء قصص أكرم هنية في نهاية 70 ق 20 وبداية 80 ق 20 لن ينسوا قصة "مؤتمر فعاليات القرية يصدر نداء مهماً"، ففيها يصدر المجتمعون نداء إلى المهاجرين "عودوا".
هل اختلف الشاعر عبد اللطيف عقل الذي رحل أيضاً في شهر آب عن بقية الأدباء؟
قال إميل حبيبي عبارته: "باق في حيفا" وشاعت، وكان شعراء المقاومة قالوا مضمونها ومنهم من التزم بما قال، ومنهم من لم يلتزم، ولكنه لاحقاً شعر بالندم و..و.. وكتب عقل في 80 ق 20 قصيدته المعروفة: "رسالة إلى صديق قديم".
ملاحظة:
ما يجب ألا ننساه - وهو ما نسيته، هو أن توفيق زياد الذي رحل في تموز 1994 كتب قصيدته الشهيرة "هنا باقون" أيضاً في 60 ق 20. وهذا يعزز رأي محمود درويش في شعراء المقاومة في 60 ق 20 كتبوا قصيدة واحدة".
والقصيدة تدعو إلى التمسك بالأرض وعدم الهجرة.
وللكتابة بقية.