الرئيسية / مختارات
نزعوا ثيابها وسحلوها ورجموها ثم أحرقوها أمام البحر... لهذه الأسباب قتل المصريون أول عالمة رياضيات في العالم
تاريخ النشر: 01/09/2018
نزعوا ثيابها وسحلوها ورجموها ثم أحرقوها أمام البحر... لهذه الأسباب قتل المصريون أول عالمة رياضيات في العالم
نزعوا ثيابها وسحلوها ورجموها ثم أحرقوها أمام البحر... لهذه الأسباب قتل المصريون أول عالمة رياضيات في العالم

الكتابة عن هيباتيا أمر صعب جداً، من إنجازاتها إلى علومها وجمالها الساحر وصولاً إلى حادثة اغتيالها المؤلمة. كل ما يتعلق بأول عالمة رياضيات مُلهم، فهي المصرية من أصل يوناني، ابنة الإسكندرية التي نهمت من علوم والدها وكانت منارة بكل ما للكلمة من معنى، بشغفها بالفلسفة والرياضيات. ليست ملهمة لذاك العصر وحسب، إنما حتى يومنا هذا.

«احفظ حقك في التفكير، أن تفكِّر بشكل خاطئ أفضل من عدم التفكير على الإطلاق».

عاصرت الفيلسوفة والعالمة هيباتيا الإسكندرية عندما كانت تحضن عدة أديان: اليهودية والمسيحية وآلهة الرومان.

كانت أسهل تهمة وقتها هي السحر، وبهذه التهمة اتُّخذ قرار بضرورة قتلها خوفاً من “فتنتها”، ليس بجمالها ولكن بعلومها ونظرتها للحياة.

من هي هذه العالمة المثيرة للجدل؟
وُلدت في الإسكندرية، لكن يختلف المؤرخون فيما إذا كانت ولدت سنة 350 م أو 370 م. درست الرياضيات وعلم الفلك والفلسفة على يد والدها ثيون، أحد آخر الأساتذة في جامعة الإسكندرية القديمة.

ولا يعرف المؤرخون شيئاً عن والدتها، أما عن حياتها الاجتماعية فتشير مراجع تاريخية (منها مذكرات الراهب هيبا في رواية عزازيل ليوسف زيدان) أنها اختارت حياة العزوبية لتتفرغ لطموحها العلمي.

رفض ثيون أن يفرض على ابنته الدور التقليدي الموكول إلى النساء، فرباها وكأنها ابناً وفق التقاليد اليونانية، أي علّمها مهنته الخاصة.

كتب المؤرخ سلاتكين: «كانت النساء اليونانيات من جميع الطبقات مشغولات بنوع العمل نفسه، الذي كان يتركز في الغالب على الاحتياجات المنزلية للعائلة. كانت النساء يعتنين بالأطفال الصغار، ويعتنين بالمرضى، ويحضّرن الطعام”.

لكن هيباتيا قادت حياة أكاديمية مرموقة في جامعة الإسكندرية. المركز الذي كان يحق للذكور فقط، وفق ما تشير الأدلة التاريخية. بقيت عازبة طوال حياتها، وكرّست نفسها للعلم والتعليم.

اتساع اهتماماتها هو الأكثر إثارة للإعجاب؛ في الرياضيات، كتبت أو حاضرت في:

– علم الفلك (بما في ذلك جوانب الملاحظة – الإسطرلاب)

– الهندسة (Geometry)

– الجبر (في وقتها كانت علماً صعباً)

– التقنية الحسابية

كل هذا بالإضافة إلى الانخراط في الفلسفة الدينية والتطلع إلى أسلوب الكتابة الجيد.

“كانت كتاباتها، قدر ما نستطيع أن نحكم عليه، ثمرة لتدريسها في المجالات التقنية للرياضيات. في الواقع، كانت تتابع برنامجاً بدأه والدها: جهد واع للحفاظ على وتوضيح الأعمال الرياضية الكبرى للتراث السكندري”، وفق ما قال المؤرخ البريطاني وليام ديكين.

نهلت من معارف مكتبة الإسكندرية التي كانت قبلة العلماء من شتى أنحاء العالم

كانت الإسكندرية في تلك الفترة تنافس أثينا كجوهرة للتعلم والثقافة. من لحظة تأسيسها من قبل الإسكندر الأكبر عام 332 قبل الميلاد، نمت الإسكندرية لتلخص أفضل جوانب الحياة المدنية المتحضرة.

الكتّاب الأوائل مثل سترابو (63 قبل الميلاد – 21 م) وصفوا المدينة بأنها «رائعة»، وكانت الجامعة تحظى باحترام كبير لدرجة أن العلماء توافدوا إليها من جميع أنحاء العالم.

وتشير المصادر التاريخية إلى أن مكتبة الإسكندرية الكبرى احتوت على ما لا يقل عن 500 ألف كتاب. وبصفتها أستاذة، كان بإمكان هيباتيا الوصول إلى هذا الموارد يومياً، والاستفادة بالكامل من كل هذه المعلومات.

كانت محاضراتها ذائعة الصيت وتجذب عدداً كبيراً من الطلاب، وبالاستنتاج من مذكرات الراهب المصري، كان يحق لأي كان أن يحضر دروسها طالما شدَّه الفضول للتعلم.

من محاضراتها: «الفلسفة لا تستقيم إلا بالرياضيات والفهم روحي وإلا يبقى حقائق باردة»
ينقل هيبا في مذكراته إحدى محاضراتها: ”أيها الأصدقاء، وصلتني الأيام الماضية من جزيرة رودس رسائل فيها ملاحظات كثيرة وتقريرات على ما ذكرته في حساب القيم العددية المجهولة. ونظراً للتخصص الشديد لهذا الموضوع، فسوف أؤجل المناقشة فيه إلى ما بعد هذه المحاضرة حتى لا أثقل على غير الرياضيين من حضراتكم، مع أنني أؤمن بأن الفلسفة التي يود معظمكم أن نتحدث فيها اليوم، لا يمكن أن تستقيم إلا بالرياضيات”.

يصفها هيبا بأنها “امرأة وقور وجميلة، بل هي جميلة جداً. أو لعلها أجمل امرأة في الكون. كان عمرها في حدود الأربعين وكان أنفها جميلاً جداً وفمها وصوتها وشعرها وعيناها.. كل ما فيها، كان أبهى ما فيها. ولما تكلمت زاد بهاؤها ألقاً».

“الفهم أيها الأحبة، وإن كان عقلياً إلا أنه فعل روحي أيضاً. فالحقائق التي نصل إليها بالمنطق وبالرياضيات، إن لم نستشعرها بأرواحنا، فسوف تظل حقائق باردة، أو نظل نحن قاصرين عن إدراك روعة إدراكنا لها”، كما كانت تقول.

لماذا كرهها أسقف المدينة إذاً؟
وفي مدينة كانت في نمو مستمر لتنوّعها الديني والثقافي، كانت هيباتيا صديقة مقربة من محافظ الإسكندرية «الوثني» «أوريستس». لكن الأسقف الأرثوذكسي للإسكندرية «كيرلس» ألقى باللوم على هيباتيا لعدم قبول المحافظ الإيمان بالمسيحية.

كان الأسقف ينظر إليها على أنها حجر عثرة أمام أولئك الذين كانوا سيؤمنون بالمسيحية لولا كاريزمتها الساحرة، وتميزها في العلوم وقدرتها على تبسيط المفاهيم الرياضية والفلسفية الصعبة وتقريبها لفهم الطلاب.

في عام 415 م، وهي في طريقها إلى البيت بعد تقديم محاضراتها اليومية في الجامعة، تم اغتيالها بطريقة بشعة بناءً على أوامر من «كيرلس».

لم يكن لدى هيباتيا خليفة معين ولا زوج ولا ذرية. وموتها المفاجئ لم يترك تراثها بلا حماية فحسب، بل أثار رد فعل عنيفاً ضد أيديولوجيتها بالكامل.

كانت هيباتيا متسامحة مع الطلاب المسيحيين ومستعدة للتعاون مع القادة المسيحيين. وكانت تأمل في تأسيس سابقة بأن الأفلاطونية الحديثة والمسيحية يمكن أن يتعايشا بسلام وتعاون.

وبدلاً من ذلك، أدى موتها – وفشل الحكم المسيحي المتشدد آنذاك في فرض العدالة على قاتليها – إلى تدمير هذا المفهوم كلياً. واعتبر الأوبلاطونيين المستقبليين الجدد، مثل داماسيوس، الأساقفة المسيحيين «شخصيات خطيرة وحسودة وغير فلسفية على الإطلاق“.

أصبحت هيباتيا “شهيدةً للفلسفة”، ودفع قتلها الفلاسفة إلى تبني مواقف تؤكد بشكل متزايد الجوانب الوثنية في نظام معتقداتهم، الابتعاد أكثر عن الجماهير المسيحية.

تفاصيل الجريمة.. ضرب وسحل ورجم وحرق
يقول هيبا في مذكراته إن جمعاً من أتباع كيرلس سمع قارئاً يدعى بطرس وهو يصرخ: «الكافرة ركبت عربتها، ولا حراس معها». فهرع إليها الجمع. هرب لاحقاً سائق العربة فصرخوا فيها: «جئناك يا عاهرة، يا عدوة الرب».

أخرجوها بالقوة من عربتها وسحبوها من شعرها إلى وسط الشارع. فرفسها أحدهم في جنبها ثم انتزع بطرس شعرها بيده وبدأ يسحبها خلفه.

كالذبيحة تم سحلها ناحية البحر، ومزقوا ثوبها الحريري الأبيض. حاولت امرأة تدعى أوكتافيا (أحبها هيبا) إنقاذها، لكن أحدهم ضربها على رأسها بخشبة وماتت.

ثم لفوا حبلاً خشناً حول معصمها وأرخوه لمترين وبدأوا بجرها وهي عارية تماماً على بلاطات حجرية غير متلاحمة. أدى السحل إلى كشط جلدها وتقرّح لحمها. ثم رجموها بأصداف البحر وعلا صراخها ألماً «حتى ترددت أصداؤه في سماء العاصمة التعيسة، عاصمة الله العظمى، عاصمة الملح والقسوة».

لم يقفوا عند هذا الحد، بل جرُّوا هيباتيا بعدما أصبحت قطعاً من اللحم. فألقوها فوق كومة كبيرة من قطع الخشب وبعدما صارت جثة هامدة أشعلوا النيران فيها. «سكتت صرخات هيباتيا بعدما بلغ نحيبها من فرط الألم، عنان السماء»، كما قال هيبا حرفياً.

وإلى يومنا هذا تعيش هيباتيا في إرث العلوم الرياضية، وتقيم جامعات أجنبية مسابقات باسمها. من أقوالها:

«يجب أن تدرس الخرافات على أنها خرافات والأساطير أساطير، والمعجزات أوهام شعرية. تعليم الخرافات على أنها حقائق هو أفظع شيء. عقل الطفل يقبل ويؤمن بها، وفقط من خلال الألم الشديد، وربما المأساة، بعد مرور سنوات يتمكن من التخلص منها».
 

أضف تعليق
تغيير الصورة
تعليقات الزوار
الأكثر تفاعلاً