الرئيسية / عربي ودولي
أميركا تنسحب: الأسد يعود إلى لبنان برعاية روسية وإيرانية
تاريخ النشر: 03/09/2018
أميركا تنسحب: الأسد يعود إلى لبنان برعاية روسية وإيرانية
أميركا تنسحب: الأسد يعود إلى لبنان برعاية روسية وإيرانية

ثمة من يقرأ في الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي مع إيران، ربطاً بالعقوبات المتجددة عليها، أن المنطقة دخلت في مرحلة تحجيم النفوذ الإيراني، ولكن بلا أسس واضحة، أو إجراءات عملية على الأرض، باستثناء القصف الجوي. فأي انسحاب أميركي بلا تغيير موازين قوى على الأرض، أو وضع إطار سياسي جدّي للأزمة، يعني تسليم المنطقة لإيران، ومن خلفها روسيا.

حين يرفع الأميركيون شعار "أميركا أولاً"، ويوصل هذا الشعار رافعيه إلى البيت الأبيض، تكون الولايات المتحدة الأميركية قد سلكت خطّاً معاكساً لخطّها المعهود. تبدو وكأنها هي من يريد إسقاط النظام العالمي الذي خاضت حروباً لإرسائه وتكريسه. في نظام العالم ما بعد الحرب الباردة، كانت الولايات المتحدة هي من يدفع تكاليف النظام العالمي الذي تتسيّده. الآن، ثمة من يصرخ بوجوب التخلّي عن هذه القيادة. وهذا يفاقم المشكلة العالمية أو الدولية. تراجع أميركا، وغياب الدور الأوروبي الفاعل، يمثّلان تراجعاً لرافعي شعارات حقوق الإنسان، وإن لم تكن الشعارات واقعية، لكنها تؤدي إلى اختيار الحلول العسكرية، أو عسكرة المجتمعات. الصين وروسيا وحلفاؤهما أكثر المستفيدين من ذلك.

حين تتراجع واشنطن عن دورها في العالم هذا يعني أن نموذج العسكرة والديكتاتورية هو ما يتقدّم، ليس في ساحات الصراع في الشرق الأوسط فحسب، بل يتمدد ويتوسع في المحافل الدولية، وفي المؤسسات التي تحمل اسم "حقوق الإنسان". من سخرية القدر أن تنتصر روسيا في رد اقتراح مدعوم أميركياً، للاستماع إلى المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، لتقديم عرض للانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان في سوريا، في جلسة رسمية لمجلس الأمن. إنه العالم الأميركي المنهار، والمتغير لمصلحة روسيا والصين. واشنطن تتحمّل تلك المسؤولية، بانجرافها في شعارات شعبوية عرف الروس كيفية استخدامها وتوظيفها، سواء أكان في الاتهامات الموجهة إليهم بالتدخل في الانتخابات الأميركية أم في الاستفتاء لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

المثل الصارخ على التراجع الأميركي، يتجلى في التعليق على الردّ الروسي على خطوة طرد عدد من الدول دبلوماسيين روسيين على خلفية تسميم جاسوس بريطاني من أصل روسي. حين ردّت روسيا بالمثل، جاء الردّ الأميركي انهزامياً، اذ اعتبر مسؤولون في الخارجية الأميركية أن الرد الروسي غير مفهوم، ويوضح أن موسكو غير مستعدة للحوار. فهل الخطوة الأميركية بطرد الدبلوماسيين كانت تهدف إلى استدراج الحوار مع موسكو؟ إنها عينة عن التصعيد الأميركي الفاقد أي أفق أو رؤية، والمرتكز إلى مفهوم الشعبوية أو عرض العضلات الذي لا يؤدي إلى تحقيق أي نتيجة.

وبينما لم تعد أميركا قادرة على التقرير وحدها، لا بد من الالتفات إلى القوة الاقتصادية الصينية التي أصبحت أساسية رغم أنها لم تتحول إلى دور سياسي فاعل، أو إلى دولة صاحبة مبادرات سياسية وخطط عسكرية واستراتيجية في المنطقة. فالصين تعمل على وضع العراقيل أمام الولايات المتحدة. والقدرة على العرقلة أكبر من قدرة الطرف الآخر على البناء. فرغم كل ما قام به الروس في سوريا، والانجازات الميدانية، لم يستطيعوا تحقيق أي تقدم في الحلّ السياسي. لكن، تقابلهم واشنطن بلا شيء، بلا فعل. كأنها تترك الساحة لهم.

الطبيعة لا تعرف الفراغ. انسحاب أميركا من أي منطقة في العالم، يعني أن أحداً ما سيأتي لسد هذا الفراغ. هنا، لعب الروس والصينيون دورهم، والانعكاس الأبرز هو الميدان السوري. تتقدّم روسيا وتصرّ على عملياتها العسكرية في مناطق "الهدن"، وسط عجز أميركي عن ردعها. إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب نيته الانسحاب من سوريا، يشبه إلى حدّ بعيد الخطوة الأميركية في الانسحاب من العراق، وتعزيز الهيمنة الإيرانية، لكن ذلك قد يكون ضمن خطّة مرحلية، تهدف واشنطن من خلالها إلى حماية قواعدها وجندها.

إثر استخدام النظام السوري السلاح الكيماوي في الغوطة الشرقية، تحرّكت واشنطن وحاولت حشد موقف دولي مؤيد لها لتوجيه ضربة إلى النظام السوري. عاش العالم أياماً على إيقاع طبول الحرب التي لم تندلع. سقوف سياسية مرتفعة، أدت إلى توجيه ضربة لمواقع حساسة، بشكل أوسع من ضربة مطار الشعيرات. لكن الضربة كانت أقل من المتوقع، ولم تفرض تغيراً في موازين القوى، ولا وجهة سياسية جديدة. بعد الضربة هجّرت الغوطة، واستكمل مسار الفرز والترانسفير. حتى أن الضربة كانت مقابل انسحاب روسي من السماء السورية. وهذا ما قد ينعكس لاحقاً في الانسحاب الأميركي مقابل تعزيز الوضعية الروسية.

الأخطر من ذلك، هو أن واشنطن ترفع شعار محاربة إيران وطردها من سوريا، لكن حتى الآن ليس هناك أي أساس عملي لتحقيق هذا الهدف. سوريا أصبحت حصة روسية، وروسيا تستفيد من الوجود الإيراني على الأرض لتعزيز وضعيتها وتوسيع نطاق سيطرتها. فيما هناك هدف إسرائيلي واضح بوجوب عدم انتشار الإيرانيين بالقرب من الحدود. لذلك، تنفذ إسرائيل غارات متقطعة تستهدف مواقع رئيسة للإيرانيين وحلفائهم على الأراضي السورية. ولا يبدو أن إيران ستتنازل بسهولة. وهي تهرب من احتمال اندلاع حرب شاملة أو مواجهة مباشرة وواسعة. تلاقي أميركا هذا الوضع بالانسحاب من الاتفاق النووي، والعودة إليه بمفاوضات وشروط جديدة، مرتكزة إلى تشديد العقوبات الاقتصادية على إيران. تتخذ إيران من الغارات الإسرائيلية ذرائع لادعاء المقاومة، والردّ عليها بمزيد من البطش داخل سوريا. فبعد ضربة مطار التيفور العسكري، تم تهجير الغوطة. وبعد ضربة حماه، تم تهجير مناطق في حمص. وبعد الضربات التي حصلت في الفاتح من أيلول على عدد من المواقع العسكرية، ستكون هذه فاتحة لخوض معركة إدلب.

خرج بشار الأسد معلناً الانتصار على الولايات المتحدة في الحرب الكونية التي شنّتها عليه، فيما أميركا لم تكن في وارد المشاركة في مواجهته أو غض الطرف عمن يريد ذلك. لربما التقت الشعبوية الأميركية مع الشعبوية الأسدية. نجح الأسد في تلقّف ذلك، وسيستفيق على جراحه. يستفيق وفي لاوعيه "محافظة لبنانية" خسرها باكراً، يولي الاهتمام الشديد لاستعادتها باكراً أيضاً، ربما قبل استعادة المحافظات السورية كلها. "إعادة إعمار سوريا" ستكون فكرة مغرية لكثير من معارضي النظام للعودة إلى أحضانه، طمعاً في تقاسم أجزاء من الفتات السوري. هكذا، سيعود الأسد إلى لبنان برعاية روسية إيرانية، وسيدعم حزب الله ذلك، لضمان إبقاء الأسد في الأحضان الإيرانية. وهذا سيكون انتصار جديد على واشنطن.
 

أضف تعليق
تغيير الصورة
تعليقات الزوار