تسع دول فقط تملك السلاح النووي.. كيف تمكنت من الحصول عليه؟
تاريخ النشر: 06/12/2018
تسع دول فقط تملك السلاح النووي.. كيف تمكنت من الحصول عليه؟
تسع دول فقط تملك السلاح النووي.. كيف تمكنت من الحصول عليه؟

علاء الدين السيد
تشكل الأسلحة النووية مصدر قلق بالغ للبشرية اليوم، إلا أن بداية إنتاجها كان أحد الأسباب الرئيسية وراء وضع النهاية للحرب العالمية الثانية واسعة النطاق، وأدى الدمار الكبير الذي سببته هذه الأسلحة إلى إجبار دول كبرى على ترك أسلحتها والجلوس إلى موائد المفاوضات.

هنا نحن نتحدث تحديدًا عن الولايات المتحدة الأمريكية، التي كانت أول دولة في العالم تنتج السلاح النووي وتستخدمه على جارتها – وعدوها في ذلك الوقت؛ اليابان، لتضطر الأخيرة إلى إعلان استسلامها.



في السنوات الأولى من العصر الذري، كانت الولايات المتحدة هي التي تقود الطريق. وفي أغسطس (آب) 1945، أظهرت واشنطن قوة الأسلحة النووية المدمرة عندما أسقطت قنبلتين على هيروشيما ونجازاكي اليابانيتين، فأرسلت بذلك تحذيرًا إلى بلدان خارج الكتلة الغربية. لكن الوضع تغير تمامًا يوم 29 أغسطس (آب) 1949 عندما اختبر الاتحاد السوفيتي سلاحه النووي الأول، ليبدأ صراع بين الشرق والغرب وصل إلى إمكانية قيام حرب نووية خلال حقبة الحرب الباردة.

الاستثمار الأمريكي في العقول الألمانية
الفكرة القائلة إن الطاقة الهائلة التي يتم إطلاقها عندما يحدث انشطار في نواة ذرة اليورانيوم يمكن استخدامها للأغراض العسكرية، جرى بحثها لأول مرة من قبل الفيزيائيين في أواخر الثلاثينيات، وكان الألمان هم الرواد في هذا المجال، والذين حققوا تقدمًا أكثر من غيرهم من البلدان في تطوير الأسس النظرية للبرنامج النووي.

وكان المشروع الذري الألماني قد بدأ بالفعل في صيف عام 1939. علماء الفيزياء الذين فروا من ألمانيا بعد صعود هتلر أدركوا بسرعة ما يمكن أن يؤدي إليه نجاح الألمان في إتمام هذا المشروع، لذلك كان يجب على القوى الكبرى الأخرى من وجهة نظرهم استباق الألمان، وكلما كان ذلك في وقت قريب كان أفضل.

في أغسطس (آب) 1939، تسلم الرئيس الأمريكي تيودور روزفلت رسالة من العالم الشهير الألماني الأصل، ألبرت أينشتاين. وقد لفت العالم الحائز على جائزة نوبل في الفيزياء انتباه الرئيس إلى أن النازيين كانوا يقومون ببحوث لتطوير سلاح نووي، واقترح أن يبدأ تنفيذ مشروع مماثل في الولايات المتحدة، وفي العامين التاليين، بدأ العمل على نطاق واسع في الولايات المتحدة، واستثمرت أموال كبيرة وبعض من أعظم العقول في ذلك الوقت، بما في ذلك العالمان نيلز بور وإدوارد تيلر، اللذان جرى تجنيدهما من قبل الحكومة لهذا الغرض.

وكان الاتحاد السوفيتي في ذلك الوقت يعرف جيدًا كل شيء عن هذه الخطة. علماء الفيزياء السوفيت كانوا على علم بما يقوم به زملاؤهم الغربيون. لم تجلس المخابرات السوفيتية مكتوفة الأيدي. في يونيو (حزيران) 1940، كان عملاء الاستخبارات السوفيتية يراقبون عن كثب الأبحاث الأمريكية المتعلقة بعنصر اليورانيوم 235.

بعد عام ونصف العام، عندما بدأت الحرب العالمية تصبح واسعة النطاق بعد غزو ألمانيا لروسيا، وصلت أخبار أكثر إثارة للقلق: يمكن أن تطور بريطانيا سلاحًا نوويًا في وقت مبكر من عام 1943، وهذا يعني أن الألمان، الذين كانت قواتهم بالفعل تقترب من العاصمة موسكو، يمكن هي الأخرى أن تكون قريبة من امتلاك سلاح نووي. في ذلك الوقت كان الاتحاد السوفيتي متخلفًا بشكل كبير في السباق النووي.
العلماء والجواسيس
بدأت تتدفق للكرملين معلومات عن التقدم الناجح الذي حققته البلدان الغربية في تطوير سلاح نووي. وسرعان ما أدرك الرئيس الروسي جوزيف ستالين، أن امتلاك سلاح نووي وخوض السباق هي مسألة حيوية للغاية بالنسبة لروسيا، وكان رأيه لا لبس فيه: «ليس لدينا القنبلة: نحن نعمل بشكل سيئ!».

في ذلك الوقت توقف الألمان خارج موسكو ولم يتمكنوا من التقدم أكثر تجاه العاصمة، وسرعان ما حدثت انفراجة في الحرب نتيجة عدم قدرة الألمان على تحقيق مزيد من الانتصارات على الجبهة السوفيتية، لكن لا أحد يستطيع أن يضمن أن الوضع لن يتغير إذا ما حصل الألمان على السلاح النووي، كذلك نظر السوفيت إلى إنجازات الأمريكيين والبريطانيين بقلق، فإذا ما تمكنا من الحصول على القنبلة النووية، فهذا يعني أنهم سيتمكنون من هزيمة هتلر، ثم تهديد الاتحاد السوفيتي بشكل تلقائي.

في سبتمبر (أيلول) 1942، أذنت قيادة اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية بتأسيس مختبر متخصص للعمل في المشروع النووي. كان ذلك بالفعل هو بداية تاريخ البرنامج الذري السوفيتي، وكان يعمل به مجموعة صغيرة من العلماء والفيزيائيين، لكنهم كانوا مجموعة مجدة ومنجزة في عملها تحت القيادة العامة لـإيغور فاسيليفيتش كورشاتوف، الذي يعتبر الآن والد القنبلة الذرية السوفيتية.

وتعاونت أجهزة الاستخبارات بشكل وثيق مع العلماء. كانت شبكة التجسس السوفيتية في الولايات المتحدة لديها صورة كاملة عن التقدم المحرز في المشروع الذري الأمريكي، حتى إنها كانت تعرف مواقع مركز البحوث الرئيسي، وقدمت مساعدة كبيرة أيضًا من قبل الفيزيائيين النوويين الأمريكيين المتعاطفين مع اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية. وبفضلها، كانت مخططات القنبلة الأمريكية موجودة بالفعل على مكتب كورشاتوف بعد أسبوعين فقط من إنتاج الولايات المتحدة أول قنبلة نووية عام 1945.

في الحرب العالمية، سحقت ألمانيا دون استخدام الأسلحة النووية، وكانت القنابل النووية التي أسقطها الأمريكيون على هيروشيما وناجازاكي في أغسطس (آب) 1945 رمزية، فقد كانت طريقة واشنطن لإعلام العالم كله أن لديها القنبلة الفائقة، وكانت الرسالة موجهة قبل كل شيء إلى موسكو.

بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وجد الحلفاء السابقون في التحالف المناهض لهتلر أنفسهم على جانبي صراع جديد بين الفائزين، إما الغرب أو الاتحاد السوفيتي. وضع الجيش الأمريكي والبريطاني خططًا لحرب محتملة ضد الاتحاد السوفيتي، واقترحوا تفجير المدن السوفيتية الرئيسية باستخدام الأسلحة النووية.

لا يمكن للسوفيت تجنب وقوع ذلك إلا من خلال القضاء على الاحتكار النووي الأمريكي، وبعد أسبوعين من تدمير هيروشيما، أنشئت لجنة خاصة بأوامر من ستالين لتنسيق جميع الأعمال المتعلقة بمشروع القنبلة النووية، وهذا يعني بشكل فعال إنشاء وزارة فائقة مع موارد هائلة وسلطات الطوارئ، وكان يرأسها أحد أقرباء ستالين، لافرنتي بافلوفيتش بيريا.

تحت قيادته المباشرة، ولد قطاع صناعي جديد في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية في غضون بضع سنوات – الصناعة الذرية. وقد أنشئت محطات لتخصيب اليورانيوم والمفاعلات وأجهزة الطرد المركزي والمصانع اللازمة لصنع القنابل في فترة قصيرة من الزمن.

في سيبيريا والأورال، تم بناء المجمعات الصناعية الجديدة في عمق الجبال، والتي جرى استخراج مئات الأطنان من الصخور الصلبة منها، والمدن الناشئة التي كانت موجودة حول هذه المواقع جرى إخفاؤها من الخرائط. فقط الأشخاص المتصلون بالبرنامج الذري هم من يعرفون وجودها.

وكانت القيادة الأمريكية مقتنعة بأن الاتحاد السوفيتي سيحصل على أسلحة نووية في موعد أقصاه عام 1954، وقد كان اختبار الأسلحة النووية في مجموعة سيميبالاتينسك الروسي في عام 1949 مفاجأة غير سارة للولايات المتحدة. فقد تمكن الاتحاد السوفيتي من تدمير الاحتكار النووي الأمريكي، ووضع الأسس للأمن الدولي الذي يعتمد عليه النظام العالمي حتى يومنا هذا.
بريطانيا على الطريق
كانت بريطانيا أول دولة تحاول استكشاف تطوير الأسلحة النووية، وأظهر العمل الذي قام به أوتو فريش ورودولف بيرلز في فبراير (شباط) 1940، ولجنة MAUD (الاسم الرمزي المختار من الاسم الأول لإحدى أمهات الأعضاء) جدوى وفعالية الأسلحة الانشطارية. وقدم العلماء البريطانيون، المعروفون باسم «البعثة البريطانية»، مساهمات كبيرة في وقت لاحق لمشروع مانهاتن الأمريكي.

ومع ذلك، ومع تمرير قانون الطاقة الذرية عام 1946، المعروف أيضًا باسم «قانون مكماهون»، تم قطع العلاقات بين البرنامجين النوويين الأمريكي والبريطاني. ومع بداية الحرب الباردة، شعرت بريطانيا العظمى بأنه يجب أن يكون لها قوة نووية مستقلة، وفي يناير (كانون الثاني) 1947، جرى تشكيل خطط لتطوير سلاح نووي بريطاني.

بقيادة جون جون كروكروفت، وصل أول مفاعل نووي في بريطانيا إلى الحال الحرجة في الثالث من يوليو (تموز) 1948، وهو ما يعني تخصيب اليورانيوم بنجاح وإمكانية إنتاج سلاح نووي، كما جرى إنشاء مواقع لإنتاج البلوتونيوم واليورانيوم عالي التخصيب، ونظرًا لصغر مساحتها، لم تكن هناك مواقع مناسبة لاختبارات الأسلحة النووية، وبالتالي سعت بريطانيا للحصول على مواقع في بلدان أخرى لاختبار أسلحتها، واستقر أخيرًا على جزر مونتي بيلو، قبالة الساحل الغربي لأستراليا. وفي الثالث من أكتوبر (تشرين الأول) 1952، فجرت بريطانيا أول جهاز ذري لها، أطلق عليه اسم «إعصار». وكانت قوته تبلغ نحو 25 كيلوطنًا.

فرنسا.. شيوعي وقف وراء البرنامج!
أصبحت فرنسا الدولة الرابعة التي تمتلك أسلحة نووية بعد أول اختبار لها في عام 1960. في حين تباطأت التنمية بسبب تأثير الحرب العالمية الثانية، كانت إنجازات البحوث الفرنسية في وقت مبكر حاسمة من أجل التنمية النووية، ومع سريان مبدأ السرية النووية من قبل الولايات المتحدة بشكل صارم خلال الحرب الباردة، وضعت فرنسا بشكل مستقل برنامجها النووي وأصبح جزءًا من الهوية الوطنية الفرنسية.

كان البرنامج النووي الفرنسي، شأنه في ذلك شأن مشروع مانهاتن، انطلق بسبب اندلاع الحرب العالمية الثانية عندما غزت ألمانيا النازية بولندا في الأول من سبتمبر (أيلول) 1939. لكن الجهد الفرنسي لم يركز في ذلك الوقت على بناء قنبلة بل على حاجة فرنسا الماسة إلى الطاقة لتغذية جهودها الحربية، وفي حين أنهم على الأرجح كانوا على بينة من إمكانية القنبلة الذرية، اعتقد علماء فرنسيون بارزون أن الطاقة النووية يمكن أن توفر الاستجابة لاحتياجات فرنسا من الطاقة.

قاد البحث النووي في المقام الأول الفيزيائي والكيميائي فريدريك جوليوت-كوري، صهر العالمة الفرنسية الشهيرة ماري كوري. في عام 1937، قبل فريدريك جوليوت-كوري التدريس في «كوليج دو فرانس» في باريس، حيث أقام أيضًا أول مختبر سيكلوترون في أوروبا الغربية. جنبًا إلى جنب مع الفيزيائي ليو كوارسكي، حقق جوليوت-كوري رد فعل الانشطار في 26 يناير (كانون الأول) 1939. لاحظوا وجود شظايا مشعة، كمؤشر على أن رد فعل تفاعليًا متسلسلًا يمكن أن يكون أمرًا ممكنًا.

وبفضل هذه الأبحاث، قرر جوليوت-كوري السعي للحصول على مزيد من الاستثمارات الحكومية من خلال بناء نموذج لسلسلة من ردود الفعل الذاتية، وتكمن المشكلة في شراء المواد؛ فهو يتطلب كلّا من اليورانيوم والماء الثقيل، وجرى الحصول على اليورانيوم من شركة بلجيكية لتعدين اليورانيوم في الكونغو، ولكن ثبت أن المياه الثقيلة أكثر صعوبة. وكان العرض الوحيد للمياه الثقيلة في ذلك الوقت قد تم إنتاجه في مصنع نورسك هيدرو في النرويج، كما سيكتشف الفرنسيون قريبًا، كان الألمان مهتمين أيضًا بشرائه، مما يشير إلى أنهم من المرجح يعملون بالفعل على مشروع الطاقة الذرية الخاصة بهم.

وعلى الرغم من النجاحات التي حققتها فرنسا في الحصول على مواد تجريبية، إلا أن الغزو الألماني لفرنسا في مايو (أيار) 1940 أوقف إجراء المزيد من البحوث، وأجبر الفرنسيون على إخفاء إمداداتهم من المياه الثقيلة واليورانيوم. وقد تم شحن اليورانيوم البلجيكي من البلاد إلى المغرب، حيث ظلت بسلام طوال فترة الحرب، ونقلت المياه الثقيلة إلى السجن المركزي ثم إلى إنجلترا.

مع تحرير فرنسا وعودة علمائها البارزين من الخارج، عاد جوليوت-كوري لتشغيل البحوث الذرية، ورغم بعض التخوفات من ميوله الشيوعية وإمكانية نقله للتكنولوجيا إلى السوفيت، استمرت الأبحاث، وعلى الرغم من القصف النووي الأمريكي على اليابان، ظل جوليوت-كوري ثابتًا على أن البرنامج الفرنسي ينبغي أن يسعى إلى الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية.

كانت فرنسا مرة أخرى في حاجة ماسة إلى الطاقة مع استنزاف احتياطيات الفحم والنفط بشكل كبير. في 18 أكتوبر (تشرين الأول) 1945، أنشئت رسميًا لجنة الطاقة الذرية، وكانت مهمتها المعلنة هي «متابعة البحث العلمي والتقني من وجهة نظر استخدام الطاقة الذرية في مختلف مجالات العلوم والصناعة والدفاع الوطني».

سرعان ما أنشأت الهيئة ثلاثة أهداف طويلة الأجل: إنشاء مفاعل يعمل باليورانيوم والمياه الثقيلة يمكن أن يخلق نظائر مشعة، ثم تستخدم تلك النظائر لبناء مركز نووي، ثم أخيرًا بناء محطة للطاقة النووية. جرى تحقيق أول الأهداف في 15 ديسمبر (كانون الأول) 1948، عبر مفاعل يقوم بإنتاج خمسة كيلوواط فقط من الطاقة.

وفي عام 1949، تم إنشاء مصنع لاستخراج البلوتونيوم باستخدام الوقود المشع من المفاعل السابق، ثم افتتح مفاعل ثان لإنتاج البلوتونيوم عام 1952. وفي حين لم تكن هناك حتى الآن أية خطط رسمية لبناء قنبلة ذرية، إلا أن القلق سرعان ما انتشر بين العلماء الفرنسيين بأن عملهم يمكن أن يتحول للأمور العسكرية قريبًا.

وفي عام 1952، أعلن عن خطة مدتها خمس سنوات لثلاثة مصانع لإنتاج البلوتونيوم على نطاق واسع جنوب فرنسا، حيث ستكون الكهرباء هي المنتج الثانوي. المفاعلان اللذان تم بناؤهما في عامي 1958 و1959 على التوالي، كانا قادرين على إنتاج 200 ميغاواط من الكهرباء، بالإضافة إلى كميات كبيرة من البلوتونيوم، وهو عامل مهم في إنتاج قنبلة ذرية في نهاية المطاف.

ارتباط الهوية الوطنية بالقدرات النووية سيصبح قريبًا قوة دافعة في تطوير القنبلة الذرية الفرنسية. ومنذ تأسيس الناتو في عام 1949، شعرت فرنسا منذ فترة طويلة بالتهميش بسبب العلاقة الخاصة بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وحتى ألمانيا الغربية التي دخلت الناتو في عام 1955 رغم اعتراضات فرنسا.

وكانت فرنسا قد أهينت أكثر عام 1956 مع أزمة قناة السويس عندما اضطرت القوات البريطانية والفرنسية إلى الانسحاب من مصر. كانت فرنسا تملك بعض المقتطفات من معلومات السلاح النووي وقت تعاونها مع بريطانيا والولايات المتحدة، ومع استمرار الخوف من الشيوعية كانت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة مترددتيْن في تبادل المزيد من المعلومات، فالسلطة النووية لم تصبح مسألة أمن وطني فحسب، بل أصبحت مسألة عالمية، لا سيما بوصفها دولة ذات حيازات استعمارية.

وقعت اللجنة النووية الوطنية في فرنسا ووزارة الدفاع مذكرة تلتزم بإجراء تجربة نووية. وأشارت المخابرات الأمريكية عام 1957 إلى أن «هناك ضغوطًا وطنية متزايدة لبناء قنبلة». وفي نفس العام، وافقت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة على عدم مشاركة أي معلومات من برامجهما النووية مع فرنسا أو ألمانيا الغربية.

في عام 1957، أنشأت فرنسا موقعًا اختباريًا بالقرب من بلدة ريجان الجزائرية، حيث جرت أول تجربة نووية فرنسية يوم 13 فبراير (شباط) 1960.

الصين.. رغم خذلان الاتحاد السوفيتي
قرر الزعيم الصيني ماو تسى تونغ بدء برنامج صيني للأسلحة النووية خلال أزمة مضيق تايوان الأولى في الفترة 1954-1955 فوق جزر كيموي وجزر ماتسو. وبينما لم يكن يتوقع أن يكون قادرًا على مواكبة الترسانة النووية الأمريكية الكبيرة، اعتقد ماو أن عددًا قليلًا من القنابل سيزيد من مصداقية الصين الدبلوماسية.

وبدأ بناء محطات لتخصيب اليورانيوم في عام 1958، ومرفق للبلوتونيوم وموقع للتجارب النووية بحلول عام 1960، وقدم الاتحاد السوفيتي المساعدة في البرنامج الصيني المبكر عن طريق إرسال مستشارين للمساعدة في المرافق المخصصة وإنتاج المواد الانشطارية.

وفي أكتوبر (تشرين الثاني) 1957، وافق الاتحاد السوفيتي على تقديم نموذج قنبلة وصواريخ والتكنولوجيا ذات الصلة. الصينيون الذين فضلوا استيراد التكنولوجيا والمكونات لتطويرها داخل الصين، قاموا بتصدير اليورانيوم إلى الاتحاد السوفيتي، وأرسل السوفيت صواريخ في عام 1958.

غير أن الزعيم السوفيتي نيكيتا خروتشوف أخبر في ذلك العام ماو أنه يعتزم مناقشة مسألة الحد من التسلح مع الولايات المتحدة وبريطانيا. وكانت الصين تعارض بالفعل سياسة خروتشوف بعد ستالين «للتعايش السلمى». وعلى الرغم من أن المسؤولين السوفيت أكدوا للصين أنها كانت تحت المظلة النووية السوفيتية، فإن الخلافات اتسعت بين الطرفين. وفي يونيو (حزيران) 1959، أنهت الدولتان رسميًا اتفاقهما على التعاون العسكري والتكنولوجي، وفي يوليو (تموز) 1960، تم إنهاء كل المساعدات السوفيتية مع البرنامج النووي الصيني بشكل مفاجئ وسحب جميع الفنيين السوفيت من البرنامج.

الحكومة الأمريكية تحت جون كينيدي وليندون ب. جونسون كانت قلقة بشأن البرنامج، ودرست طرقًا لتخريبه أو مهاجمته، ربما بمساعدة تايوان أو الاتحاد السوفيتي، ولكن لم يكن خروتشوف مهتمًا. أجرى الصينيون أول تجاربهم النووية، التي أطلق عليها اسم 596، في 16 أكتوبر (تشرين الأول) 1964، وقالوا إن برنامجهم كان من المستحيل إكماله بدون المساعدة السوفيتية.

وكانت آخر تجربة نووية للصين في 29 يوليو (تموز) عام 1996. ووفقًا لمنظمة المسح الجيولوجي الأسترالية في كانبيرا فإن عائد اختبار عام 1996 كان يتراوح بين 1 و5 كيلوطن. وكان هذا الاختبار تحت الأرض.

اختبرت الصين أول جهاز نووي لها في عام 1964. وقد تم تطوير السلاح كرادع ضد كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي. وبعد عامين، كان لدى الصين قنبلة انشطارية يمكن وضعها على صاروخ نووي. كما اختبرت أول قنبلة هيدروجينية في عام 1967، بعد 32 شهرًا فقط من اختبار أول سلاح نووي لها (هذه أقصر فترة بين تطوير الانشطار النووي إلى الانصهار النووي الذي تقوم به أي دولة في العالم).

ويعتقد حاليًا أن البلاد لديها مخزون من حوالي 240 رأسًا حربيًا، على الرغم من محدودية المعلومات المتاحة، تقول التقديرات إن عددهم يتراوح من 100 إلى 400.

إسرائيل.. منذ عام 1967
يعتقد على نطاق واسع أن إسرائيل كانت هي الدولة السادسة في العالم التي طورت وامتلكت أسلحة نووية، لكنها لم تعترف بقوتها النووية. كان لديها أسلحة نووية بدائية، وبات يمكن تفجيرها في وقت مبكر من عام 1967. إسرائيل ليست طرفًا في معاهدة عدم الانتشار. وتشتهر إسرائيل بغموضها الاستراتيجي، قائلة إنها لن تكون أول دولة تقوم بتقديم الأسلحة النووية في المنطقة، ولكنها ترفض تأكيد أو نفي أي برنامج أو ترسانة نووية.
وقد تم تفسير سياسة «التعتيم النووي» هذه بأنها محاولة للحصول على فوائد الردع بأقل تكلفة سياسية، ووفقًا لمجلس الدفاع عن الموارد الطبيعية واتحاد العلماء الأمريكيين، فإن إسرائيل تمتلك على الأرجح بين 75- 200 سلاح نووي. ويقدر معهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام أن إسرائيل لديها نحو 80 سلاحًا نوويًا سليمًا، منها 50 يمكن إطلاقها عبر صواريخ باليستية متوسطة المدى من طراز أريحا 2، و30 قنبلة يمكن إطلاقها بالطائرات، ويذكر أيضًا أن هناك تجديدات في عام 2012 بأن إسرائيل قد تكون قد وضعت أيضًا صواريخ كروز مضادة للغواصات ذات قدرة نووية.
الهند.. كيف تتحول التكنولوجيا النووية السلمية إلى أسلحة
الهند ليست طرفًا في معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية. اختبرت الهند ما أسمته «المتفجرات النووية السلمية» عام 1974. وكان الاختبار أول اختبار تم تطويره بعد إنشاء معاهدة عدم الانتشار، وأثار أسئلة جديدة حول كيفية تحويل التكنولوجيا النووية السلمية سرًا إلى الأسلحة. وقد أثار التطور السري للهند قلقًا واسعًا من الدول، مثل كندا، التي زودت مفاعلاتها النووية بالاحتياجات السلمية لتوليد الطاقة،

ورفض المسؤولون الهنود معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية في الستينيات على أساس أنه خلق عالمًا ممن يملكون ومن لا يملكون، قائلين إنه يقيد دون داع «النشاط السلمي»، وقالت إنها لن تقبل بالمراقبة الدولية لمنشآتها النووية ما لم تقبل جميع البلدان الأخرى بنزع سلاحها النووي من جانب واحد.

وقد أكد الموقف الهندي أيضًا أن معاهدة عدم الانتشار هي بطرق عديدة نظام استعماري جديد يهدف إلى منع الأمن لقوى ما بعد الاستعمار من أن تمتلك قوة الردع خاصتها. وحتى بعد اختبارها عام 1974، حافظت الهند على قدرتها النووية «سلمية» في المقام الأول، ولكن بين عامي 1988 و1990، قامت على ما يبدو بتسليح نحو 20 سلاحًا نوويًا يمكن إطلاقها؛ ففي عام 1998 اختبرت الهند الرؤوس الحربية النووية المسلحة، بما في ذلك جهاز نووي حراري.
باكستان.. الدوافع كافية
بعد تقسيم الهند في عام 1947، كانت الهند وباكستان في نزاع حول عدة قضايا، بما في ذلك إقليم جامو وكشمير المتنازع عليه. وتفسر العلاقات غير المستقرة مع الهند وأفغانستان والاتحاد السوفيتي السابق، ونقص الطاقة دوافع باكستان لتصبح قوة نووية كجزء من استراتيجياتها الدفاعية والطاقة.

قبل عام 1971، كان التطور النووي الباكستاني سلميًا ولكنه كان رادعًا فعالًا أيضًا ضد الهند. وعلى الرغم من أن العديد من المسؤولين وكبار العلماء قاموا في الستينيات بتقديم مقترحات لتطوير الأسلحة النووية، فقد اتبعت باكستان سياسة صارمة في مجال الأسلحة النووية من عام 1956 حتى عام 1971، ولم يبذل أي جهد للحصول على دورة الوقود النووي لأغراض برنامج فعال للأسلحة النووية.

أنشئ برنامج باكستان للأسلحة النووية في عام 1972 من قبل ذي الفقار علي بوتو، الذي أسس البرنامج بينما كان وزيرًا للطاقة والموارد الطبيعية، وأصبح فيما بعد رئيسًا ورئيسًا للوزراء. بعد فترة قصيرة من فقدان باكستان الشرقية في حرب 1971 مع الهند، بدأ بوتو البرنامج بعد اجتماعه مع الفيزيائيين والمهندسين في يناير (كانون الثاني) 1972.

اختبرت الهند عام 1974 أول جهاز، مما أعطى البرنامج النووي الباكستاني زخمًا جديدًا. وبحلول أواخر السبعينيات، اكتسب برنامج باكستان تقنية حساسة لتخصيب اليورانيوم والتعامل معه. وقد أدى وصول عبد القدير خان عام 1975 ومشاركته في هذه الجهود إلى التقدم بشكل واضح.

خان هو عالم المعادن المدرب في ألمانيا، والذي جلب معه معرفة تقنيات الطرد المركزي التي حصل عليها من خلال منصبه في مصنع أورينكو لتخصيب اليورانيوم في هولندا، كما ذكر أن خان جلب معه تقنيات تخصيب اليورانيوم المسروقة من أوروبا. وكان مسؤولًا عن بناء وتجهيز وتشغيل منشأة كاهوتا الباكستانية، التي أنشئت في عام 1976.

تحت إشراف خان، استخدمت باكستان شبكة سرية واسعة من أجل الحصول على المواد والتكنولوجيا اللازمة لتطوير قدراتها لتخصيب اليورانيوم. وفي عام 1985، عبرت باكستان عتبة إنتاج اليورانيوم على مستوى الأسلحة، وبحلول عام 1986، كان يعتقد أنها أنتجت ما يكفي من المواد الانشطارية لصنع سلاح نووي. واصلت باكستان تقدم برنامجها لتخصيب اليورانيوم، ووفقًا لما ذكرته مصادر باكستانية، فإن الدولة اكتسبت القدرة على القيام بتفجير نووي في عام 1987.

ويعتقد أن باكستان تمتلك أسلحة نووية منذ منتصف الثمانينيات. وواصلت الولايات المتحدة التصديق على أن باكستان لم تمتلك هذه الأسلحة حتى عام 1990، عندما فرضت جزاءات بموجب تعديل بريسلر، الأمر الذي يتطلب قطع المساعدة الاقتصادية والعسكرية الأمريكية لباكستان.
كوريا الشمالية.. الأخطر الآن
كانت كوريا الشمالية طرفًا في معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، لكنها أعلنت انسحابها في العاشر من يناير (كانون الثاني) 2003، بعد أن اتهمتها الولايات المتحدة بأنها تملك برنامجًا سريًا لتخصيب اليورانيوم، مما جعلها توقف مساعدات الطاقة بموجب الإطار المتفق عليه عام 1994.

في فبراير (شباط) 2005، أعلنت كوريا الشمالية عن امتلاكها أسلحة نووية، على الرغم من عدم وجود اختبار في ذلك الوقت، وهو ما دفع العديد من الخبراء للشك في الادعاء. بيد أنه في أكتوبر (تشرين الأول) 2006، ذكرت كوريا الشمالية أنه نظرًا لتزايد التخويف من جانب الولايات المتحدة، فإنها ستجري تجربة نووية لتأكيد وضعها النووي.

وأعلنت كوريا الشمالية عن تجربة نووية ناجحة في التاسع من أكتوبر (تشرين الأول) 2006. ويعتقد معظم مسؤولي المخابرات الأمريكية أن كوريا الشمالية قامت بالفعل باختبار جهاز نووي بسبب نظائر مشعة اكتشفتها الطائرات الأمريكية. ومع ذلك، فإن معظمهم يتفقون على أن الاختبار ربما كان ناجحًا جزئيًا فقط، وقد يكون الانفجار الناجم بقوة أقل من كيلوطن، وهو أصغر بكثير من الاختبارات الناجحة الأولى للسلطات الأخرى.

أجرت كوريا الشمالية اختبارًا ثانيًا أكبر في 25 مايو (آيار) 2009، ثم اختبارًا ثالثًا هو الأكبر في 12 فبراير (شباط) 2013. وقالت كوريا الشمالية إنها أجرت أول اختبار للقنبلة الهيدروجينية في الخامس من يناير (كانون الثاني) 2016، على الرغم من أن قياسات الاضطرابات الزلزالية تشير إلى أن التفجير لم يكن متسقًا مع قنبلة هيدروجينية. 

تم طباعة هذا المقال من موقع راديو بانوراما (panoramafm.ps)

© جميع الحقوق محفوظة

(طباعة)